مداولات
مظاهر من أجل القيمة!
سما يوسف
إن البحث عن القيمة من خلال المظاهر مشكلة قد تكون عميقة ومتأصلة، وهو مرض من أمراض العصر، وهو أشد مرضاً من الأمراض الجسدية. ومجتمعنا الخليجي من أكثر شعوب العالم معاناة من هذا المرض، لأنه عانى من التخلف والجهل وبعد الطفرة الاقتصادية، وتحول كثير من الأسر الفقيرة إلى الثراء أفرزت هذا الداء (التباهي)، مما دعا بعضهم إلى غسل الأيدي بدهن العود ونثر المال على الأرض.. ومازال مجتمعنا مجتمعا استهلاكيا بل مجتمعا تعود على المظاهر والبذخ في صرف الأموال لأمور لا حاجة لهم بها سوى الظهور بأنهم أصحاب وجاهة وأن مكانتهم الاجتماعية لا تليق إلاّ بذلك. فالتباهي نوع من أنواع الضعف الإنساني، وهشاشة الشخصية والغرور، الذي يصيب النفس، ويجعل صاحبها معزولاً عن الحياة في برج عاجي، يفقد وجوده فيه كل من حوله شيئًا فشيئًا، فيبقى وحيدًا في النهاية يكتسب كره من حوله من الأصدقاء.
والتواضع من أكبر الدلائل على ثقة الإنسان بنفسه، ولنا في رسول الله القدوة الحسنة، يأكل مع الخادم، ويصغي إلى المرأة الضعيفة المسنة، ويقضي حاجة الضعيف. والإنسان بالتواضع يعلو عند الله، والإنسان أساسه عبد، ومن لوازم العبد التواضع، قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) سورة العلق الآية: 6 / 7وحينما لا يعود مشغولاً بمجاراة الآخرين على مظاهرهم الكثيرة. ويشترون أشياء غالية الثمن وهم يعلمون ذلك ولكن من أجل التباهي والتفاخر بأنهم يستطيعون، وأحيانًا تكون التربية سببًا مباشرًا في زيادة حدّ التباهي والتفاخر عند بعض الأسر، فعندما يحاول الآباء تذكير أبنائهم بأصول عائلاتهم ومكانتهم في المجتمع، ويعتقدون أنهم يزيدون من ثقتهم بأنفسهم وإحساس دائم بالتميز عن الآخرين ويزداد حدّ التباهي حتى يصل إلى درجة أن المتباهي يتيه بنفسه، ويرى في نفسه أفضلية عمن حوله، سواء في الأصل أو في مستوى الثراء. ونسي (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) والمتباهي كل ما اشترى شيئًا، وأينما جلس، وأينما حل: يستعرض بما لديه من السيارات الفارهة والساعات الثمينة ذات الماركات العالمية، وقد يعلم أو لا يعلم أنه بهذا الأسلوب يدخل الحزن على قلوب من حوله من الفقراء (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا). ونرى في ولائم الأعراس أكبر دليل من البذخ في عددالذبائح ..وتقديم الهدايا للمدعوين بـآلاف الريالات، وحفلات أعياد الميلاد والنجاح واختراع المناسبات التي هي ليست من عاداتنا وتقاليدنا، ولو صرفت هذه الأموال في المساهمة للجمعيات الوطنية لسدت احتياجات كثيرة، وكثير من الناس يملكون دخلاً يمكن أن يكون كافياً لاحتياجات متطلبات الأسرة لولا أن سطوة المظاهر أرهقت كاهلهم وجعلتهم عرضة للديون ودخول السجون؛ لهذا يبقون أسرى للمجاراة والمنافسات الصغيرة الهامشية وفي النهاية لا ننسى أن أحقر الناس شأنًا هم من يتعالون على من حولهم وفي حين أن أكثرهم منزلة يبقى متواضعًا مهما علت قيمته ومنزلته وسط مجتمعه..وصدق رسول الله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما قال (من تواضع لله رفعه) (لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر).
طرح جميل في وقت مناسب بعدما رأينا الهياط من الكثير حتى اصبح فنا نراه كل يوم يأخذ شكلا متنوعا ومبالغا فيه. اجد هذا الموضوع يلامس هذه الافة الدخيلة على مجتمعنا. وهذا قد اسميه مرض اجتماعي لنوع من الناس يبحث عن ظهور فوجده مسلكا وطريقا ليعبر عن حقيقة نقص مكبوته فيه واظهرها وعبرها عنها بهذا السلوك المرضي.نحن بحاجة ان نعرف ذاتنا ونعزز فيها القيم الايجابية التي تعكس جانبا لواقعنا وانموذجا يحتذى به. لا يمنع ان تظهر نعمة الله عليك لكن ليس بما نراه من المهاييط المبالغين. ارجع واقول مثل هذه المواضيع التي تطرق كنوع من انواع العلاج فقد يكون العلاج عن طريق الاستبصار بالمشكلة وماأجده من طرح كهذه العناوين ماهو الامساهمة في علاج المشكلة اشكر الكاتبة سما على هذا الطرح الرائع.
ظاهرة خطيرة تنبئ عن التخلف القيمي ومن حديثي عهد بالنعم لاتصدر إلا من رعاع ليضحكوا على أنفسهم بمطاولة أصلاء ونبلاء ..جسدت بالمقال مدى الانحطاط الفكري والخواء الثقافي وقبلها السفه الذي يأباه الدين وتلفظه الفطرة .. ونبهت إلى خطورة نلك النماذج على المجتمع..وبرأيي يجب أن يؤخذ على أيديهم.